الطب الشعبي:
كان الحلاق أو الرجل المسن الحاذق أو الداية هم الأشخاص الذين يقومون بمهمة العلاج وكانوا يستشيرون العطار الصيدلي الشعبي للحصول على الدواء المناسب.
وكانت الفلاحة التي لديها طفل صحيح لا تزور فلاحة لديها طفل مصاب، ولكن الفلاحين كانت لديهم الأسباب الخاصة الغامضة حول طبيعة المرض وسبب ظهوره وكانوا يعتقدون أن خطر المرض كامن بانتظار كل شخص وعلى الأخص الأطفال، ويأتي الخطر من:
- المرأة غير النظيفة، إذا دخلت على بيت فيه طفل.
- الجن، وأثره في إيقاع المرض.
- القرينة التي تودي بحياة الأطفال.
- العين الحاسدة.
وهكذا كان الدين والسحر يقومان بتعويض المعرفة الحقيقية للنواحي العلمية وتفسيرها للمرض.
ويمكن القول أن لدى الناس في الوسط الشعبي حس بالعدوى ووسائل الوقاية والعلاج من هذه الوسائل:
- ذكر اسم الله، لإخافة الجن والعفاريت القرينة.
- استعمال الحجاب، وطاس الرجفة ونحو ذلك.
- اللجوء للعلم الشعبي بتناول أشربة وأطعمة يحضرها العطار -الصيدلي الشعبي.
- دهن جلد المولود بالزيت والملح.
- التدفئة والكمر (غمر الإنسان بالملابس والأغطية) واستعمال الكمادات الساخنة والباردة.
- تغذية المريض بالعسل واللحم واللبن…الخ.
- التحويط: أي إحاطة الإنسان بقدرة الله، كأن يقال للشخص المراد وقايته "حوطتك بالله" أي طلبت من الله أن يحيطك بحمايته.
- التبخير: أي حرق البخور وما شابهه لطرد الأرواح الشريرة.
- العلاج بطاس الرجفة: يعالج الشخص الذي يعاني من حالة الرعب بإعطائه جرعة من الماء من "طاس الرجفة".
- الاعتقاد بقدرات الخرز: استأثر الخرز باهتمام كبير في حياة الناس فلقد استخدمه الناس في الزخرفة الشعبية، سواء للتجمل به كلبس العقود وتزيين الملابس وبعض الأدوات والحاجيات كما استخدم في بعض الصناعات اليدوية الشعبية.
ورغم أهمية الخرز في الزخرفة فلقد استخدم بعضه في أمور مهمة جداً في حياة الناس، فاستعمل لمعالجة الأمراض واستخدم لأمور الحب والبخت، واستعمل في السحر وغير ذلك.
الاهتمام بالخرز واستخدامه: لقد اهتمت النساء بالخرز إذ كانت الواحدة تدفع نقوداً كثيرة من اجل الحصول على أحد الخرزات التي تحتاجها، وكانت المرأة تستعمل كل الوسائل للحصول على إحدى الخرزات وربما ذهبت المرأة من بلد إلى آخر بحثاً عن خرزة لاستخدامها في غرض معين وكانت المرأة إذا ما حصلت على خرزة من خرز البخت أو المحبة تشعر وكأنها تملك كنزاً أو شيئاً ثميناً وكانت تحافظ عليها مثلما تحافظ على جواهرها الثمينة وربما أكثر من جواهرها، وكانت تستأثر بها ولا تعطيها إلا لبناتها أو حفيداتها عندما يتقدم بها السن.
وسر اهتمام النساء بهذه الأمور يعود إلى الإيمان بالسحر والغيبيات حيث نلاحظ أن ظاهرة الاهتمام بالخرز الشعبي قد قلت أو تضائلت في هذه الأيام وإن بقيت أثارها ماثلة في بعض القرى والمناطق.
إن النساء هن اللواتي يهتممن بأمور الحب والزواج والبخت والطلاق وهن اللواتي يستخدمن الخرز للسحر والطب وان كانت هناك اهتمامات بالخرز من قبل الرجال فإن القلائل هم الذين يهتمون بذلك واهتمام المرأة بهذه الأمور نابع من اهتمامها بأن يبقى زوجها لها وحدها محباً ومطيعاً ومخلصاً، تريد أن تستأثر به وتمنع عنه الأخريات وتمنعه أيضاً عن الأخريات وهي كذلك تريد هذا لابنتها وحفيدتها،ومن هنا كان هذا الاهتمام.
أما إيمان المرأة بقدرة هذه الخرزة الصغيرة على صنع المعجزات فهذا يعود إلى الجهل والسذاجة وإلى الإيمان بآراء ومعتقدات موروثة عن أمها وجدتها ولو تساءلنا كيف اهتدى الناس إلى استخدام الخرز في أمور السحر والطب والمحبة فربما يقودنا فكرنا إلى أن أحد السحرة أو الكهان استخدم خرزة في عمل سحري ونجح هذا العمل بطريق الصدفة وبدأ الناس بتقليد هذا، ومن ثم كان انتشار استخدام الخرز وتطورت استعمالاته وأشكاله وساعد على ذلك كثرة السحرة والدجالين وجهل وسذاجة النساء أيضاً.
علاج الرمد للعيون: يتم ذلك بالكحل، والذي يساعد العين أيضاً على مقاومة وهج الشمس ومن الصعب التأكد من أنه إذا كان قد بدئ باستعمال الكحل كعلاج أم كوسيلة من وسائل التجميل.
يعالج ألم العيون عند الأطفال بمسحه بالحبل السري فهو واق فضلاً عن انه حجاب (تميمة- تعويذة).
يقول الناس أن "العين والولد يحميها الملاك" ولهذا نادراً ما تصيب الضربات التي تنزل على الوجه عين الإنسان.
من وسائل علاج العيون "الكي" كما سنرى تحت عنوان العلاج "بالكي".
العلاج بالعسل: يعتقد الناس بأهمية العسل ودوره في العلاج انطلاقاً من قيمته الغذائية ويؤخذ العسل بعد تسخينه بواسطة "رظف الطابون".
العلاج بكاسات الهوا: ويسمى هذا النوع من العلاج بالحجامة وهو أسلوب في العلاج الشعبي العربي معروف منذ القدم، إذ يفرغ الكأس من الهواء بإحراق قطعة من الورق في داخله ثم يثبت على ظهر المريض مثلاً فيندفع الدم إلى البشرة الخارجية وكان الحلاق يقوم بهذه المهمة.
العلاج بالكي: يمارس حلاق القرية العلاج بالكي أي لسع مكان ما من بشرة الإنسان بالحديد المحمي وفي حالة مرض العيون يكون الكي عند قمة الرأس ويكوى الولد " المدفدع" بمسمار محمي تحت اللسان لاستئصال الورم هناك والذي يسمى " الدفدعة" كما يعالج الولد المدفوع أيضاً بتعليق ضفادع فضية أو معدنية على رأس الولد أو في ملابسه.
ويعالج "الملع" أي التمزق بالكي وتروي لنا جرانكفيست كيف أن زريفة محمد من أرطاس حملت حزمة حطب فأحست بأنها تعاني من الألم وقد ذهبت لامرأة فرسمت لها صليباً بالكي تحت صدرها بواسطة مسمار محمي حتى الاحمرار.
كما كانوا يعالجون الجدري بالكي أيضاً.
علاج الإسهال عند الأولاد: إذا أصيب ولد بالإسهال وكان ضعيفاً أحضروا له لحم غنم وبصل وسماق وأعشاباً برية وضعوها بالعجين وخبزوها وأطعموه وتخرج الكعكة بسرعة وهي ساخنة من الطابون وتكسر على وجه الولد ليشم رائحتها وهم بذلك يفسرون المرض بأنه قد يكون ناتجاً عن خوف شديد ذلك لأن كسر الرغيف باللحم الساخن على وجه الولد يسبب صدمة جديدة تبعد الصدمة السابقة التي سببت المرض.
التشطيب- علاج للحمى: إذا كان الطفل مصاباً بالحمى يتم تشطيب أذنيه من أجل علاجه وإخراج الدم الفاسد والتشطيب هو جرح السطح الخلفي الخارجي لصيوان الأذن الطري بعد وضع الطفل في الشمس حتى تحمر أذناه ويمكن تشطيب أجزاء أخرى من الجسد.
الحوي: أي تطعيم الإنسان ضد لدغ الأفعى كان الناس في الوسط الشعبي يقضون جزءاً كبيراً من الوقت خارج المنزل في الأعمال الزراعية والرعي وجمع الحطب والنباتات البرية للطعام فضلاً عن أن البيوت كانت وسط الأشجار وبين الغابات وبالتالي فإن احتمال أن يصطدم الإنسان بأفعى هو احتمال كبير لذلك كان الناس يحاولون تحصين أبنائهم ضد لدغ الأفعى بإحدى الوسائل التالية:
- إذا كانت الأم قد لسعتها أفعى أثناء الحمل فإنها تعطي المناعة لطفلها فلا يتأثر بلدغ أفعى.
- إن وضع نبتة معينة تحت سرير الطفل يقيه من الأفاعي.
- يعطي الأولاد حية محروقة فيأكلونها، وبذلك يحصلون على حصانة من سم الأفعى.
- مص الجرح لإخراج السم والدم بعد السع مباشرة.
- أن يبصق شيخ معروف بقدرته على الحوي على قطعة حلوى فيأكلها شخص وبذلك يكتسب المناعة ضد سم الأفعى.