شتاء طفلين
في ليلة من ليالي الشتاء وبرده القارس،ارتديت معطفي وقبعتي ،وانتعلت حذائي ،وفردت مظلتي،وخرجت إلى دكان العم محمد لأشتري بعض الحاجيات وبينما كنت أسير في الشارع فوجئت بابن الجيران سمير، يمشي حافي القدمين،ويرتدي ثيابا رثة وخفيفة ،لا تحمي جسمه النحيف من هذا البرد الذي لا يرحم ،ترتعد قدماه ،ودموعه تتساقط من عينيه،فأسرعت إليه وقلت له:ما بك؟ لماذا تبكي؟ ولماذا لا تحمِ نفسك من البرد ؟ فقال لي: إنني ابكي ،لأن أبي لم يشترِ لي ثيابا ، رجوته كي يشتري لي ثيابا شتوية، فصفعني على وجهي، وقال لي:اخرج من البيت يا هامل.
فقلت له:لِمَ كل هذه القسوة من أبيك ؟ فقال لي: أنا اعمل في ورشة حدادة، اجني منها كل يوم خمسة شواقل ، وهذا المبلغ لا يعجب أبي ، ويقول لي :إن هذا المبلغ لا يكفي لشراء الثياب لك وشراء بعض مستلزمات البيت.
فقلت له:ولماذا تعمل في ورشة وتترك المدرسة ؟ فقال لي : أنت تعلم يا احمد أن أبي منذ أن رسبت في الصف الثالث الابتدائي قد أخرجني من المدرسة ، وبعد فترة سلمني مباشرة إلى نجار بحارتنا ، وكنت اهرب دائما منه دائما ، وكنت أتلقى الضرب من أبي ،وكان ضربا قاسياً ،وكنت دائما ألحّ عليه أن يعيدني إلى المدرسة، فكان يردد دائما: أنت فاشل ولا تصلح للمدرسة ، وكان يبصق في وجهي ويضربني ، ثم نقلني إلى ورشة حدادة، لأن صاحبها يدفع خمسة شواقل زيادة عن النجار ، لم استطع يا احمد تحمل العمل في الورشة، فتركتها فطردني أبي من البيت وقال لي: أنت لا تهمني ،اغرب عن وجهي ، فلم أجد مأوى لي إلا الشارع ، اجلس فيه في هذا البرد القارس، كما تراني، فتحايلت عليه وأقنعته بأن يأتي معي إلى بيتنا .
عرضت الموضوع على أبي ، فدهش أبي والجميع ، فتألم الجميع وتنهد أبي طويلا ،ثم قال :حسنا يا احمد، إن صديقك سميراً ، ليس وحده الذي يعاني من هذه المشكلة ، لذا يا ولدي أبشرك بأنني منذ مدة طويلة ، وأنا أفكر في إنشاء جمعية ، تعنى بالأطفال العاملين الذين حركوا من التعليم، بسبب الفقر من جهة وجهل الوالدين من جهة أخرى.
والمفاجأة لكم جميعا أن الجمعية موجودة ، وتعمل منذ أسبوع ، نظرت إلى سمير وإذا بالابتسامة ، تشع من وجهه ، وقال باندفاع: حقا ما تقول يا أبا احمد ، قلت : نعم يا ولدي أن التعليم حق مقدس لك ولأمثالك ، ولا يجوز التسليم والسكوت على هذا الوضع البائس ، الذي تعيشه أنت وأمثالك .
وفي الصباح ذهبت أنا ووالدي وسمير إلى أهله، واخبرهم بوجود الجمعية، التي ستتكفل بحل مشكلته ، ففرحت أمه وإخوانه ، ولكن والده لم يكن موجودا بعد ،وعندما أتى ورأى سميرا ً قال له: ما الذي أتى بك إلى هنا ؟ وهم يريد ضربه ، ولكن أبي منعه وذهبا وجلسا وعرض أبي ،الموضوع عليه. فتفهم الأمر، ووافق وشكر أبي على ما يقوم به فقال أبي: اشكروا احمد لأنه هو السبب في هذا الخير ،
وفجأة أتت أخت سمير الصغرى وقالت لأبي: أعطنا عنوان الجمعية حتى نعطيه للناس ، فقال أبي : معك حق يا ابنتي ، اكتبي في ورقة:
جمعية كفالة تعليم الطفل-شارع الكرامة-عمارة التقوى-الطابق الأول -هاتف/2056800