🎉 🎉 بشرى سارة! بعد إغلاق دام منذ عام 2008، نعلن اليوم عودة منتديات الهنا من جديد! يمكن لأي مستخدم استرجاع حسابه عبر صفحة الاسترجاع، أو من خلال هذه الصفحة في حال نسي بريده الإلكتروني. يمكنكم أيضًا زيارة أرشيف الموقع. 💙

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتديات الهنا، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

مرة أخرى.. نابلس والخبز المر

كتب الصحفي العربي أحمد بهاء الدين، عندما تعرضت نابلس في الأشهر الأولى للاحتلال الإسرائيلي عام 1967 لحصار شديد وهجمة شرسة مقالا في مجلة "المصور&qu



01-03-2006 11:16 مساءً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-02-2006
رقم العضوية : 12
المشاركات : 1,047
الجنس :
يتابعهم : 0
يتابعونه : 0
قوة السمعة : 10
تم شكره: 0
كتب الصحفي العربي أحمد بهاء الدين، عندما تعرضت نابلس في الأشهر الأولى للاحتلال الإسرائيلي عام 1967 لحصار شديد وهجمة شرسة مقالا في مجلة "المصور" في عددها الصادر في سبتمبر 1967 بعنوان "نابلس والخبز المر" قال فيه: "المدن عندي كالأشخاص! هناك الشخص الذي تنجذب إليه وتحبه من الوهلة الأولى وكذلك المدن.

ونابلس العربية من المدن التي وقعت في حبها من النظرة الأولى.. يوم بكيت المدن العربية وهي تسقط بكيت نابلس بكاء خاصًّا، ساعتها قفزت إلى مخيلتي كل الوجوه التي عرفتها، وفي المقدمة صديقي العلامة قدري حافظ طوقان، وكل المرافق والآثار والحدائق الكبيرة التي تتنزه فيها العائلات على صوت نوافير المياه، والمباني الحجرية والشوارع القديمة التي تشعر بعد دقائق من السير فيها أنك تسير في الغورية وفي سيدنا الحسين بالقاهرة...".[/font]

ويتابع "الآن نابلس الأبية تعيش تحت الحصار والاحتلال، ويتربص في جنباتها الموت، وتخلو المدينة من أهلها، وتصمت أصوات النوافير؛ فلا يسمع الناس إلا أصوات الرصاص ودوي القنابل! وأنباء هذا الأسبوع تقول: إن نابلس في قلب المقاومة والنضال، وهي اليوم مركز العذاب".
التراث أيضا يُذبح
وهاهي مدينة نابلس التي تعتبر ثاني أقدم مدينة في العالم بعد أريحا، منذ نيسان الماضي تتعرض إلى حصار شديد لم يسبق له مثيل، وهجمة احتلالية طالت الشجر والحجر. فقد تعرضت عشرات المباني الأثرية ذات القيمة التاريخية داخل البلدة القديمة بشكل خاص -وما تزال- إلى عمليات مبرمجة من الهدم والتدمير؛ حيث تقوم المجنزرات والجرافات الإسرائيلية بذبح تراث إنساني عريق يمتد إلى مئات السنين.

وقد جاء اسم نابلس تحريفًا لاسمها اليوناني "neapolis" -بمعنى المدينة الجديدة- تمييزًا لها عن مدينة "شكيم" التي دُمرت سنة 67م زمن الإمبراطور "نيرون" الذي أرسل أحد قادة جيشه بحملة عظيمة دمرت شكيم بالكامل بسبب تمرد سكانها.

وهي من أقدم مدن العالم في موقع "تل بلاطة" وهي بلدة كنعانية. وقد شيدت نابلس الحالية ما بين سنتي "71-72م" غرب مدينة شكيم المدمرة، كما أنها احتلت مكانة هامة منذ العصر الوسيط. ووصفها "ابن الفضل العمري" بالإشارة إلى أن جميع المدن الفلسطينية كانت تحتاج إلى ما تنتجه نابلس من خيرات. وهي العاصمة الطبيعية للإقليم الجبلي.

ونابلس مدينة مستطيلة قليلة العرض في واد خصيب بين جبلي عيبال الذي يبلغ ارتفاعه "880 مترًا" عن سطح البحر شمالا، وجبل جرزيم ويبلغ ارتفاعه "940 مترًا" عن سطح البحر جنوبا، والمسمى بجبل الطور أيضا. وبلغ عدد سكان محافظة نابلس في الإحصاء السكاني الذي أجري عام 1997م حوالي 180 ألف نسمة، موزعين على المدينة و4 مخيمات للاجئين تحيط بها، بالإضافة إلى أكثر من 70 قرية تتبع المدينة.
المدينة.. متحف طبيعي
pic14a
نابلس ثاني اقدم مدينة يواجه أهلها الاحتلال والهدم
وتتكون نابلس القديمة من سوقين: الأولى تمتد من الباب الشرقي حتى نهاية الباب الغربي، أما السوق الأخرى فتقع إلى الشرق من السوق الأولى، يبلغ طولها نصف طول السوق الأولى.

وتزخر المدينة بالجوامع والمساجد؛ حيث يبلغ عددها أكثر من 75 مسجدًا (وهو عدد كبير بالنسبة لمساحتها الجغرافية) فسميت "مدينة المساجد"، منها المسجد الكبير على أبواب السوق الشرقية التي كان الصليبيون قد حولوها إلى كنيسة كبيرة عُرفت باسم "كنيسة البعث". وعندما تحررت المدينة عقب معركة حطين حمل هذا الجامع اسم المسجد الصلاحي الكبير.

كما يعتبر جامع "الخضراء" الواقع في حي الياسمينة من المساجد الرائعة التي شيدت في العصر المملوكي، بناه السلطان "سيف الدين بن قلاوون" وكان على النمط القوطي، وكذلك جامع الأنبياء والعامود والساطون والبيك.

وعلى غرار المنازل السورية القديمة اهتم سكان المدينة الأوائل بتشييد منازلهم لكي توفر لهم أسباب الراحة؛ حيث الغرف الكبيرة والقاعات الواسعة وبرك المياه التي تتوسط ساحة البيت، وهو ما دفع الرحالة "أوليا جلبي" إلى تشبيهها بالحصون. وكان سكان نابلس يستخدمون الحجارة الكلسية الصلبة في البناء، وهو ما يجعل المدينة تبدو كأنها متحف طبيعي؛ حيث الأنماط المعمارية المختلفة، منها الإسلامي والأيوبي والمملوكي والتركي والإنجليزي والحديث.

كما تضم البلدة القديمة عددًا من الحمامات التاريخية يبلغ عددها الآن 10 حمامات كانت تستخدم قديمًا للاستحمام، بالإضافة إلى أهميتها العلاجية، مثل حمام الريشة والدرجة والشفاء. وتشتهر نابلس أيضًا بمصانع الصابون والملبوسات، ولا ننسى مصانع الحلويات وخاصة الكنافة النابلسية الشهيرة.
الاحتلال الثالث على التوالي
وهذه هي المرة الثالثة التي تعايش فيها نابلس حصارًا مشددًا واحتلالا كاملا من قبل الجيش الإسرائيلي هذا العام.

فمع بدء عملية "السبيل الحازم" في 19-6-2002 اجتاحت عشرات الدبابات والمدرعات الإسرائيلية أرجاء المدينة، وفرضت على سكانها نظام منع التجول، وعزلتها عن المحيط الخارجي لها؛ حيث سبق أن تعرضت المدينة لاحتلالين متتالين، كان أولهما خلال عملية "السور الواقي" أوائل نيسان من العام الحالي، حيث بقيت مدة 22 يوما متواصلة تحت احتلال وحظر تجول متواصل، وشهدت أحياؤها وخاصة داخل البلدة القديمة اشتباكات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين؛ فاستشهد 80 مواطنا، وأصيب المئات من الأهالي.

وفي المرة الثانية دخلتها القوات الإسرائيلية مدة أسبوع كامل في 29-5-2002 خرجت على إثرها خالية الوفاض.

[font=Traditional Arabic, helvetica, sans-serif]وخلال الاحتلال الحالي -الذي دخل شهره الثالث على التوالي- كانت البلدة القديمة أكثر الأحياء تعرضًا للإجراءات القمعية القاسية والاحتلال العسكري المكثف والحصار وتدمير المنازل وتفجير الأبواب والمحال التجارية.


فقد بلغت عدد البيوت التي فجرتها القوات الإسرائيلية في المدينة 25 بيتا وأكثر من 100 محل تجاري



look/images/icons/i1.gif مرة أخرى.. نابلس والخبز المر
  01-03-2006 11:17 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-02-2006
رقم العضوية : 12
المشاركات : 1,047
الجنس :
يتابعهم : 0
يتابعونه : 0
قوة السمعة : 10
تم شكره: 0
النسف لمرور الدبابة
pic14b
نابلس تراث وجمال يحاولون نسفه
كما طال التدمير المساجد الأثرية في المدينة؛ فجامع الخضراء المملوكي تعرض خلال الاجتياح الأول لدمار كبير أجهز على ما تبقى منه خلال الاجتياح الأخير.[/font]

وبمجرد الوصول إلى مدخل السوق من ناحية الشرقية تجد أن معالمها قد تغيرت تماما.. فبعد أن كان هناك صفان من المحال التي تبيع الخضار يفصلهما شارع ضيق تحول المكان إلى شارع يزيد اتساعه عن 10 أمتار تسير فيه شاحنة كبيرة بكل أريحية؛ فقد نسف الجيش الإسرائيلي جميع تلك المحال بدون استثناء، وجرف أحجارها، وفتح بدوره ممرا واسعا ومنفذا لداخل البلدة القديمة.

وما إن تصل إلى أبواب المسجد الصلاحي الكبير الذي يقع في صدر البلدة القديمة من الناحية الشرقية حتى يبدأ الأمر يسوء؛ فالدمار -على حد قول الكثيرين- لا يمكن وصفه، والخراب منتشر في كل مكان، والبيوت الأثرية القديمة التي كانت نوافذها الجميلة تطل على السوق تحولت إلى مجرد أطلال تقف للبكاء عليها وعلى ساكنيها. ويشعر المرء بالخوف أثناء السير من انهيار بعض الجدران التي ما زالت متماسكة، ولكنها على وشك السقوط، أو من التعثر بأكوام الركام والجدران المنهارة التي ارتفعت عن الأرض إلى درجة أصبح من المستحيل معها رؤية الطرف الآخر من الحي التاريخي الذي ظل شاهدًا على عراقة المدينة قرونا طويلة.

ولم يكن خان التجار -ذلك المعلم الأثري والتجاري الذي يميز نابلس عن غيرها من المدن الفلسطينية، والذي يحوي بين جنباته عشرات المحال التجارية التي تبيع الألبسة والأحذية والتحف، وتغطيه قبب مسقوفة جميلة، ويؤمه السياح من كل حدب وصوب- بأحسنَ حالا؛ فقد تحول في لمح البصر إلى ما يشبه الأرض الخراب التي هجرها ساكنوها من آلاف السنين.

أما حي القصبة (وهو الحي الذي شهد مواجهات دامية بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال، وكان بمثابة القلعة التي يتحصن فيه المسلحون) فتقف فيه عدد من البيوت شامخة بعد أن استعصت على الهدم، لكنها أصبحت الآن وحيدة وسط مئات المنازل التي سوتها الجرافات الإسرائيلية بالأرض؛ فلقد دارت هناك معارك ضارية بين المقاومين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يجد طريقا للتوغل داخلها إلا من خلال منازل المدنيين، حيث استطاعت وحدات "كوماندوز" إسرائيلية بفتح ثغرات في هذه المنازل من خلال هدم جدرانها، ثم عملت عشرات الجرافات الإسرائيلية على توسيعها وهدم ما تبقى منها بعد ذلك.

ولم تسلم المدارس من الهدم والتدمير؛ فقد أقدمت القوات الإسرائيلية خلال الاجتياح الأول على تدمير أجزاء من مدرسة الفاطمية التي شيدت عام 1905. وبعد البدء بإجراء الترميمات عاودت الدبابات لهدم عدد من فصولها الدراسية.

وتكرر الأمر عندما قامت جرافات الاحتلال بهدم أجزاء من مدارس الجاحظ وعبد المغيث الأنصاري وجمال عبد الناصر وغيرها. كما هدمت قوات الاحتلال أجزاء من سوق الحدادين وعددًا من الحمامات في المنطقة الغربية التي تعرضت لحملة تدمير وهدم واسعة. وشمل الهدم أجزاء أثرية من الأقواس والقناطر التي بُنيت فوقها المنازل التاريخية القديمة.
الهدف.. تهجير السكان
pic14
واعتبر سعيد كنعان -مدير مركز البحوث الفلسطينية في المدينة- أن ما حصل من تدمير في البلدة القديمة مخطط ومدروس منذ فترة طويلة من قبل إسرائيل لتحقيق هدفين: الأول: تدمير التراث الإنساني والحضاري للمدينة؛ وذلك لفك الارتباط بين المواطن وتراثه لتصبح المدينة القديمة خالية من هذا التراث الذي يربط الإنسان بحضارته.

والثاني -وهو الهدف الإستراتيجي لحكومة شارون-: وهو تحقيق فكرة "الترانسفير"، وليس من المصادفة التركيز على نابلس كبرى مدن الضفة الغربية والقلعة الصامدة تاريخيا بهدف جعلها نموذجا لباقي مناطق فلسطين، كما أن التدمير يهدف إلى جعل حياة الإنسان صعبة جدا ومستحيلة.

[font=Traditional Arabic, helvetica, sans-serif]ويقول الحاج أبو نواف -71 عاما-: كنا نسمع آباءنا وأجدادنا يقولون: إن المدينة وقعت سبع مرات في زمن نيرون وزلزال شعبان/ مايو 1201؛ حيث مات تحت الأنقاض ثلاثون من السكان، وكذلك خلال هزة عام 1927 التي أصابت العديد من المدن الفلسطينية، بالإضافة إلى النكبة عام 1948 والانتفاضة الأولى عام 1987 والثانية عام 2000، وغيرها الكثير من الأحداث، إلا أن نابلس كانت دوما تخرج منتصرة لتبقى عراقة نابلس راسخة في ذاكرة التاريخ.


look/images/icons/i1.gif مرة أخرى.. نابلس والخبز المر
  01-03-2006 11:40 مساءً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-02-2006
رقم العضوية : 6
المشاركات : 5,177
الجنس :
يتابعهم : 0
يتابعونه : 0
قوة السمعة : 10
تم شكره: 0
نابلس
حفظك الله من كل سوء
وجعلك خنجر في صدر المحتل
وبجد هي متحف طبيعي وقيم

كل الشكر اخ امجد على الموضوع الرائع

look/images/icons/i1.gif مرة أخرى.. نابلس والخبز المر
  04-03-2006 03:42 مساءً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-02-2006
رقم العضوية : 1
المشاركات : 1,407
الجنس :
يتابعهم : 1
يتابعونه : 0
قوة السمعة : 112
تم شكره: 2
والله قاعدين في هلبلاد وما رح يبعدنا غير ربنا
شكرا امجد

look/images/icons/i1.gif مرة أخرى.. نابلس والخبز المر
  04-03-2006 04:11 مساءً   [4]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 04-03-2006
رقم العضوية : 31
المشاركات : 1,646
الجنس :
يتابعهم : 0
يتابعونه : 0
قوة السمعة : 10
تم شكره: 0
اصلا نابلس ما ممكن انه الواحد يخاف عليها
لانها عن جد ارض الصمود اكثر من اي مكان تاني في الدنيا
ربنا يخلي لنا نابلس
و يديم عزك يا نابلس

look/images/icons/i1.gif مرة أخرى.. نابلس والخبز المر
  11-04-2006 02:19 مساءً   [5]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 11-04-2006
رقم العضوية : 256
المشاركات : 334
الجنس :
يتابعهم : 0
يتابعونه : 0
قوة السمعة : 10
تم شكره: 0
أخواني الأعزاء
لطالما تمنيت أن أكون بينكم على أرض فلسطين الحبيبة ,, أرض نابلس الغالية... أشواقي تصطدم بواقع الإحتلال .. و الفاشية الصهيونية .. فلا يصبح هناك مجال لي أن أكون معكم إلا عبر كتاباتي إليكم .. عبر هذه المواقع التي قادتني إليها الصدفة البحتة.. فسعدت بها لإنها أعادتني لجوكم الرائع... الغربة هي موت لكل إنسان.. فما بالكم بإنسان فلسطيني... حيث الغربة تصبح أعمق و أقسى .. أتابع أخباركم.. أبكي .. أشعر بالزهو لصمودكم.. أشتاق لكم جميعاً .. أشتاق للأزقة العتيقة في القصبة .. أشتاق لبلاطة و عسكر و العين.. أشتاق لمنظر الغروب ... أشتاق لحبيبتي نابلس. إليكم هذه القطعة التي كتبت عن المقاومة خلال عملية الإجتياح للبلدة القديمة في ربيع 2002. الصمت الذي تحتويه القطعة يصرخ.. يتفجر .. يحمل تفاصيل صغيرة من المعركة.. و لكنه في الوقت نفسه يهاجم بلا رحمة الظواهر الصوتية التي أصبحت تمثل حالنا.. تلك الأدوات الإعلامية الفارغة في العالم العربي.. كانت ألحان أغنية الصمت تصرخ مدوية في القصبة .. و كانت القنوات العربية تعلن بكل وقاحة أن لا شيئ يحدث.. أنتم الشهود و أنتم الوقود.. فعيشوا و إحيوا بكل الشموخ في العالم
أغنية الصمت المرة
(
لأن من سقطوا سطروا في الذاكرة تفاصيل تملؤها أنغام
الأوقات التي ضاعت في خضم شاشاتكم .... فكانوا مجرد أرقام أخرى ... لكنهم سطروا في سقوطهم لحن الخلود ... أغنية ستبقى في ذاكرة الفلسطيني حتى نهاية الزمن لأجلهم كانت الأغنية صامتة و مرة ).


صوت أغنيتي يصدح فوق أرصفة , داستها جنازير الدبابات ... تحرق في الرصيف شوقه لخطوات العشاق ... كلمات باكية ... آهات مكتومة ... الرصيف يتوجع ... و الدبابة تطلق النار ... ليست رصاصات عادية تلك التي تخرج من المدفع الذي يتحرك من داخل الدبابة ... أنها توجع الحجارة .. تترك بصمة غائرة في الجدران الحزينة التي تبرعت بحماية قاطنيها ... و خسرت التناسق الرائع الذي خلقته يد البناء الماهر الذي عكس عشقه على مساحة الحجر ... ذاك الشوق الذي ينبع من الأرض للجبل و من الجبل للوادي بتواصل لا منتهي ...جعله بيديه طيعاً ليكّون جمال المكان ... ليعكس ثقافة الأرض و المكان ... يرتفع اللحن بشجون و يهبط بقسوة ... و صوت الصاروخ من السماء يهدر قبل أن يضرب ... صفيراً متواصلاً مملاً ، مفاجئ .. صاعق ... و كتلة الغبار تحمل عبق لمسات الحجارة و بضع كلمات خطتها يد فتىً ...تحول الغبار دموع للمكان ... و تراكمت الحجارة الجميلة باكية و قد عجنت .
الأغنية تتواصل بصخب ... و الدموع و الدماء تأخذ منطقاً آخر ... منعطفاً آخر ... هنا يبدأ اللحن بالانحسار ... و تتوقف الأغنية ... لنبدأ في مسح تفاصيل الحدث ...
هناك في ذلك المكان الذي يعبق بجملة من الروائح ... هناك تاريخ يستوقفك ... قيم روحانية ...أدعية تنطلق من حناجر المؤمنين ... تلاوات ..صلوات .. تهاجمك بغتة رائحة الدواء بقسوة لتحاصرك ... قبل أن ترى بقع الدماء عند المنبر الذي تحول إلى جسم غريب في محيط تملؤه الدماء و رائحة المعقمات .
لنعيد سماع الأغنية مرة أخرى ... هناك في الشوارع العتيقة ... نعيد صياغة اللحن ... نضفي عليه بعض الإنسانية... لنعيد تشكيل المشهد مرة أخرى ... نرتب مقاطعه المختلفة ... نؤالفه مع الصوت ... لنسمع مرة أخرى أغنية الصمت .... في ذلك المكان الصغير حيث تفوح من جنباته أدعية و صلوات اختلطت مع أنات الجرحى ... و صرخات تعلو صوت القصف ... الله أكبر ... الله أكبر ... كان الصوت يعلو ليعطي النازفين أملاً بيوم أخرَ .. و يعطي ملائكة المكان دفعة لمقاومة النعاس و الانطلاق لحمل جريح جديد ... تحت صوت النار و أزيز الطلقات العمياء ..، عند المدخل يقف شاب صغير بدا عليه الإجهاد ... يستوقفني عند المدخل ( لا تستطيع الدخول بسلاحك أنه لمصلحة الجرحى ) تأملت وجهه قليلاً قبل أن أترك مؤقتاً بندقيتي ... بدأ اللحن بالارتفاع مرة أخرى ... كان تآلف المكان مع نفسه مع الآخرين ... يجبرك على الخشوع ... كأن صوت الأدعية اختار أن يبقى بعد أن رحل المصلون و حل مكانهم شهداء و جرحى و متطوعون ... علّ الدعاء يضيف شيئاً على عمل الطبيب .. أو يخفف بعضاً من ألم جريح ... جلتُ في الوجوه ... كان الألم يسيطر لكن كان في العيون بريق ... اقتربت من باحة المسجد.. بدأ اللحن بالصعود المتواصل ... فتحت الباب ... في باحة المسجد كانت جثامين الشهداء مصطفة هناك ... ألقيت السلام سريعاً على من سبقني ... وقفت عند صديق كان معي قبل ساعات يملأ المكان ضحكاً ... لم أكن معه حين سقط ... مسّدتُ على رأسه و تكلّمتُ معه قليلاً ... طبعتُ قبلةً على جبينه ... وخرجتْ .
عندما هممت بالكتابة عن أيام المقاومة في البلدة القديمة من نابلسَ ... داهمتني العديد من الأفكار ... عن ماذا أتحدث بالضبط ؟؟ أتحدث عن نزيف الذاكرة و وجع المكان ... أم عن قصص البطولة و شلال الدم الذي سال في الأزقة العتيقة و لوّن الأرصفة و الحجارة ... عن صوت الرصاصة يئز في أذني ليسقط بجانبي أحد الرفاق ... أتكلم .. أم أصمت ... لكي يتابع اللحن صعوده وهبوطه ... ليرسم في نغماته طريق الشهداء ... ليتابع تفاصيل المعركة ... يرتفع و ينخفض حسب المشهد .... حسب قوة الدم المتدفق .
أحاول الآن أن أعيد ترتيب الصور في اللوحة ... أعيد دمج الألوان و الأصوات .. لكني أغوص في لا منطق الذاكرة ... حيث تهاجمني الذكريات بلا ترابط مذهل بين البداية و النهاية ... بين اليوم الأول واليوم الأخير... تنتصب أمامي أحياناً صوراً ضاحكة ... ثم تبهت .. لأصدم بمشهد رغبت بنسيانه ... لكن الذاكرة هنا في هكذا وضع ... لا يمكن أن تكون منطقية حين فقد كل شيء المنطق .
هناك في الشوارع العتيقة ... ضاعت كل الحدود بين من حمل السلاح ... لم يعد هناك وسيلة للتفريق بين ابن تنظيم و ابن تنظيم آخر ... هناك تقاسم المقاتلون كل شيء ... الذخيرة و الطعام حتى السجائر و ساعات النوم .. كان كل شيء فوق العادي ... هناك بدأت قصة الحلم ... كانت ترانيم النار في مخيم جنين يتردد صداها في البلدة القديمة .
كانت كل المقدمات و كل منطق في الكون يقول أنه لا جدوى من المقاومة أمام عدم التوازن الهائل بين طائرة الأف 16 و بندقية الكلاشنكوف ... بين صواريخ الأباتشي و العبوات البدائية ... لكن الإصرار و الحلم كانا أكبر من كل منطق .
ينقلني اللحن بصعوده بقسوة ... بتلك الجرأة التي أخذت تطبع اللوحة ... عندما خضت الاشتباك الأول ... ترتفع الأصوات في أذنيّ مرة أخرى ... كان الليل قد هبط بكل ثقله ... لم تكن ترى شيئاً إلا على أضواء انفجارات القذائف و الصواريخ ... كنا نرابط في أحد مداخل البلدة القديمة ... كانت الدبابة تقترب من العبوة التي زرعت هناك ... يأخذني اللحن نحو تلك اللحظة ... يعلو ... يوترك... أقبض على بندقيتي ... يصعد الصوت عالياً مع الانفجار ... توقفت الميركفاه ... لم تعد قادرة على الحركة ... اشتعلت فيها النيران ... يسمو اللحن بروحانية عالية .. يرتفع الهتاف معه ... الله اكبر الله اكبر ... هذه أسطورة حديدية تنهار أمام لا منطق المقاومة ... حيث تضيع كل الحدود و يبقى إصرارك ... مقابل حديد الدبابة ... و تنتصر و تنتشي ...تريد أن تقّبل كل شيء ... حتى الليل ... حتى الرصاصة ... في تلك اللحظة بالذات ... يصدمني تواطؤ الليل مع العدو ... تنهال عليَّ طلقات ... بغزارة .. بتواصل ... أرد .. و أرد ... أتراجع قليلاً ... يغطي علي أحد الرفاق ... رصاصاته تمر من جانبي ... اسمع صراخهم ... أصبناهم ... أتوقف ... يرتفع اللحن بنشوة ... أطلق من جديد ... لم يردوا .. إنهم يصرخون ... أصبناهم .. كان علينا الآن أن نحصر خسائرنا في هذا الاشتباك الأول المفاجئ... وهكذا كان ... سحبنا جرحانا ... إلى هذا الحد ... تنتصب أمامي صورة علام .. أحياناً تخرج الضحكة في أوج المعركة ... في قلب الاشتباك...ارتدى علام سترة واقية من الرصاص قبل هذا الاشتباك بساعة واحدة ... فأصيب بسبع رصاصات في الصدر و الظهر و الخاصرة ... أضحك حين أذكره يودعني ... و حين نزعنا عنه ملابسه و سترته الواقية ... نجد أن رصاصة واحدة فقط استطاعت النفاذ لتصيبه في الخاصرة ... لم تكن خطيرة .
يشدني المشهد في تفاصيله ... يخترق حدود الزمن يعيدني لأجوائه بقسوة بقوة ... بتناغم بين حقيقة الفلسطيني و حقيقة الأرض ... حقيقة الترابط اللامتناهي بين هذين الحقيقتين اللتين توّلدان استعداداً دائماً للتضحية ... هذه العلاقة التي تضم في ثناياها كل تفاصيل المشهد ... حين أصبح المكان لا يستطيع احتواء الأعداد الكبيرة من الشهداء كان لا بد من تصرف ما .... كان لا بد من إيجاد حلول.... هنا ينبعث اللحن من جديد بصوفية ... في طريق الشهداء .. عبر الأقواس و الأزقة... موكب الشهداء .... بين المقاتلين يتخذ طريقه... هذه طريقكم ... تشبثوا بما بقي من كرامة في هذه الأمة ... امسكوا بتلافيف الحلم ... و اختاروا الطريق ... لا عودة الآن ... الطريق واضح ...كانت الوصية المنبعثة من الموكب تطوف في عيون المقاتلين ... تتحول إصرارا ... تتفجر بعض الدموع ... تقوم بحضن بندقيتك ( لا تخذليني ... ) ...
الآن لا أستطيع حصر كل تفاصيل المعركة ...كل هذا النزف الهائل في الذاكرة و التاريخ.. كل الدماء التي سالت في الأزقة العتيقة ... كل المشاهد التي تداهمني من وقت لأخر ... مشهد محمود الذي أحس بالدماء تتفجر من عنقه فنطق بالشهادتين ثم حضن بندقيته ليغفو إلى الأبد ... رقصة كمال مع إيقاع انفجار الدبابة ... و عودته شهيدا ً .
آخر اللحظات و الاشتباك الأخير.... حين لم يعد هناك مكان يمكن الانسحاب إليه ... كان اشتباك فيه كرسنا منطق المقاومة حتى النهاية ... كنا ستة مقاتلين ... في نهاية معركة استمرت ستة أيام ... لم يستطيعوا فيها فرض السيطرة على أقل من كيلومتر واحد من الأرض ... في حين أنهم ضاعفوا حجم الأراضي التي سيطروا عليها في ستة أيام و هزموا ثلاثة جيوش عربية.. . لكنهم لم و لن يهزموا إرادة الفلسطيني ... و إن حشدوا كل الكون لمحاربته فسينتصر ...
لن يهزم الفلسطيني

look/images/icons/i1.gif مرة أخرى.. نابلس والخبز المر
  06-05-2006 12:23 صباحاً   [6]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 26-02-2006
رقم العضوية : 4
المشاركات : 6,790
الدولة : فلسطين للأبد
الجنس :
يتابعهم : 0
يتابعونه : 0
قوة السمعة : 21
تم شكره: 2
اخي امجد كل الشكر لك على هذا النقل الرائع
احمد بهاء الدين كاتب مميز ومتألق
وان يكتب عن مدينة نابلس فهذا يعني ان مدينة نابلس لها مكانة كبيرة عن الشعوب العربية عامة
والأدباء والمثقفين خاصة
اخي missing home كلماتك رائعة
تجعل العيون تدمع دون شعور
نقلت لنا واقع عجزت عن نقله جميع وكالات الأنباء
كل الشكر لكم
توقيع :احمد
المراقب العام

look/images/icons/i1.gif مرة أخرى.. نابلس والخبز المر
  06-05-2006 05:37 مساءً   [7]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 06-05-2006
رقم العضوية : 377
المشاركات : 2,057
الجنس :
يتابعهم : 0
يتابعونه : 0
قوة السمعة : 10
تم شكره: 0
صامدوووووووووون ان شاء الله
مشكور اخي

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
لا يوجد كلمات دلالية ..









الساعة الآن 08:17 AM